فصل: تفسير الآيات (36- 39):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل:
يا من طاب بطهارته بساط النبوة {ما أنزلنا عليك القرآن} إلا لتسعد بتخلقك بخلقه ويسعد بسببك الأولون والآخرون من أهل السموات وأهل الأرضين. {تنزيلًا ممن خلق} أرض بشريتك وسموات روحانيتك التي هي أعلى الموجودات الممكنات كما قال «أول ما خلق الله روحي» استوى بصفة الرحمانية على عرش قلبك ليكون معه وقت لا يسعك فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل: {له ما في السموات} الروحانية من الصفات الحميدة {وما في الأرض} البشرية من الصفات الذميمة {وما بينهما} أي بين سماء الروح وأرض النفس وهو القلب بما فيه من الإيمان والإيقان والصدق والإخلاص {وما تحت الثرى} أي ما هو مركوز في جبلة الإنسانية: {وإن تجهر بالقول} أن يظهر شيء من صفاتك بالقول {فإنه يعلم السر} وهو ما يظهر من سيرتك {وأخفى} هو ما أخفى الله من خفيك.
السر في اصطلاح الصوفية لطيفة بين القلب والروح، وهو معدن الأسرار الروحانية. والخفي لطيفة بين الروح والحضرة الإلهية وهو مهبط أنوار الربوبية وأسرارها وجملتها المعقولات، وقد يحصل لكل إنسان عند نشأته الأولى وإن كان كافرًا. والأخفى لطيفة بين الروح والحضرة الإلهية ويكون عند نشأته الأخرى ولا يحصل إلا لمؤمن موحد صار مهبط الأنوار الربانية وجملتها المشاهدات والمكاشفات وحقائق العلوم اللدنية، ولهذا قال عقيبه {الله لا إله إلا هو} لأن مظهر الألوهية وصفاته العليا وأسمائه الحسنى هو الخفي الذي لا شيء أقرب إلى الحضرة منه إلا وهو سر {وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة: 31] وهو حقيقة قوله «إن الله خلق آدم فتجلى فيه» {وهل أتاك حديث موسى} القلب {إذ رأى نارًا} [طه: 10] وهو نور في الحقيقة مأنوس به من جانب طور الروح {فقال لأهله} وهم النفس وصفاتها {امكثوا} في ظلمة الطبيعة الحيوانية {إني آنست} نار المحبة التي لا تبقى ولا تذر من حطب الوجود المجازي شيئًا {لعلي آتيكم منها بقبس} يخرجكم من ظلمات الطبيعة إلى أنوار الشريعة {أو أجد على النار هدى} بآداب الطريقة إلى الحقيقة {فلما أتاها نودي} من شجرة القدس بخطاب الإنس {فاخلع نعليك} أي اترك الالتفات إلى الزوجة والولد فإن النعل يعبر في الرؤيا بهما، أو اترك الالتفات إلى الكونين إنك واصل إلى جناب القدس، أو هما المقدمتان في نحو قولنا العالم محدث وكل محدث فله محدث وموجد وذلك أنه إذا غرق في لجة العرفان بقيت المقدمات على ساحل الوسائل {وأنا اخترتك} يا موسى القلب من سائر خلق وجودك من البدن والنفس والسر والروح {فاستمع} بسمع الطاعة والقبول إنني لما تجليت بأنانية الوهيتي لأنانية وجودك المجازي لا يبقى إلا أنا {فاعبدني} بإفناء وجودك وأدم المناجاة معي لنيل ذكري إياك بالتجلي. إن قيامة العشق {آتية أكاد أخفيها} لعظم شأنها إلا أن متقاضى الكرم اقتضى إظهارها لأخص عبيدي {لتجزى كل نفس بما تسعى} في العبودية من الروح والسر والقلب والنفس والقالب فلما كان سعي الروح بحب الوطن الأصلي للرجوع إليّ أمكن إضافة {ونفخت فيه من روحي} [ص: 72] فجزاؤه من تجلي صفات الجلال بانعدام الناسوتية في اللاهوتية وكان سعي السعي بالخلو عن الأكوان لقبول فيض المكون فجزاؤه بإفاضة الفيض الإلهي عليه. وسعي القلب بقطع تعلقات الكونين لتصفيته وقابليته لتجلي صفات الجمال والجلال، فجزاؤه بدوام التجلي وأن يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه من الشراب الطهور الذي يزيل لوث الحدوث عن لوح القلوب لكشف حقائق. وسعي النفس بتبديل الأخلاق وانتفاء الأوصاف الحيوانية، فجزاؤه بإشراق نور ربها لإزالة ظلمة صفاتها واطمئنانها إلى ذكر ربها لتصير قابلة لجذبه {ارجعي إلى ربك} [الفجر: 28] وسعي القالب باستعمال أركان الشريعة وآداب الطريقة، فجزاؤه ورفعة الدرجات ونيل الكرامات في الدارين فلا يصدنك عن هذه السعادات النفس الأمارة بالسوء التي لا تؤمن بها.
ويحتمل أن يقال: أكاد أخفي الساعة ودخول الجنة والنار لئلا تكون عبادتي مشوبة بطمع الجنة وخوف النار. قالوا: أخطأ موسى في قوله: {هي عصاي} وكان عليه أن يقول أنت أعلم بحالها مني وفي قوله: {أتوكأ عليها} وكان عليه أن يتكىء على لطف الله وكرمه فلهذا قيل له {ألقها يا موسى} وفي قوله: {وأهش بها على غنمي} إذ نسي أن العصا لا تكون واسطة لرزق أغنامه وإنما الرزاق هو الله. {خذها ولا تخف} فإن الضار والنافع هو الله وحده فلا يكن خوفك إلا منه ولا رجاؤك إلا به {واضمم} يد همتك إلى جناح قنوعك {تخرج بيضاء} نقية عن درن السؤال وعن الطمع وباقي الحقائق مذكور في التفسير. وفي قوله: {قد أوتيت} بلفظ الماضي إشارة إلى أنه أعطي ذلك بالتقدير الأزلي لا بالتدبير العملي والله أعلم بالصواب. اهـ.

.تفسير الآيات (36- 39):

قوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تم ذلك، كان موضع توقع الجواب، فأتبعه قوله: {قال} أي الله: {قد أوتيت} بأسهل أمر {سؤلك} أي ما سألته {يا موسى} من حل عقدة لسانك وغير ذلك ولو شئت لم أفعل ذلك ولكني فعلته منة مني عليك.
ولما كان إنجاؤه من فرعون يث ولد في السنة التي يذبح فيها الأبناء- قالوا: وهي الرابعة من ولادة هارون عليه السلام- بيد فرعون وفي بيته أمرًا عظيمًا، التفت إلى مقام العظمة مذكرًا له بذلك تنويرًا لبصيرته وتقوية لقلبه، إعلامًا بأنه ينجيه منه الآن، كما أنجاه في ذلك الزمان، ويزيده بزيادة السن والنبوة خيرًا، فيجعل عزه في هلاكه كما جعل إذ ذاك عزه في وجوده فقال: {ولقد مننا} أي أنعمنا إنعامًا مقطوعًا به على ما يليق بعظمتنا {عليك} فضلًا منا {مرة أخرى} غير هذه؛ ثم ذكر وقت المنة فقال: {إذ} أي حين {أوحينا} أي بما لنا من العظمة {إلى أمك} أي بالإلهام {ما} يستحق لعظمته أن {يوحى} به، ولا يعلمه إلا نبي أو من هو قريب من درجة النبوة؛ ثم فسره بقوله: {أن اقذفيه} أي ألقي ابنك {في التابوت} وهو الصندوق، فعلوت من التوب الذي معناه تفاؤلًا به، وقال الحرالي: هو وعاء ما يعز قدره، والقذف مجاز عن المسارعة إلى وضعه من غير تمهل لشيء أصلًا، إشارة إلى أنه فعل مضمون السلامة كيف ما كان، والتعريف لأنه نوع من الصناديق أشد الناس معرفة به بنو إسرائيل {فاقذفيه} أي موسى عليه السلام عقب ذلك بتابوته، أو التابوت الذي فيه موسى عليه السلام {في اليم} أي البحر وهو النيل.
ولما كانت سلامته في البحر من العجائب، لتعرضه للغرق بقلب الريح للتابوت، أو بكسره في بعض الجدر أو غيرها، أو بجريه مستقيمًا مع أقوى جرية من الماء إلى البحر الملح وغير ذلك من الآفات، أشار إلى تحتم تنجيته بلام الأمر عبارة عن معنى الخبر في قوله، جاعلًا البحر كأنه ذو تمييز ليطيع الأمر: {فليلقه} أي التابوت الذي فيه موسى عليه السلام أو موسى بتابوته {اليم بالساحل} أي شاطىء النيل، سمي بذلك لأن الماء يسحله، أي ينشره إلى جانب البيت الذي الفعل كله هربًا من شر صاحبه، وهو فرعون، وهو المراد بقوله: {يأخذه} جوابًا للأمر، أي موسى {عدو لي} ونبه على محل العجب بإعادة لفظ العدو في قوله: {وعدو له} فإنه ما عادى بني إسرائيل بالتذبيح إلا من أجله {وألقيت عليك محبة} أي عظيمة؛ ثم زاد الأمر في تعظيمها إيضاحًا بقوله: {مني} أي ليحبك كل من رآك لما جبلتك عليه من الخلال الحميدة، والشيم السديدة، لتكون أهلًا لما أريدك له {ولتصنع} أي تربى بأيسر أمر تربية بمن هو ملازم لك لا ينفك عن الاعتناء بمصالحك عناية شديدة {على عيني} أي مستعليًا على حافظيك غير مستخفى في تربيتك من أحد ولا مخوف عليك منه، وأنا حافظ لك حفظ من يلاحظ الشيء بعينه لا يغيب عنها، فكان كل ما أردته، فلما رآك هذا العدو أحبك وطلب لك المراضع، فلما لم تقبل واحدة منهن بالغ في الطلب، كل ذلك إمضاء لأمري وإيقافًا لأمره به نفسه لا بغيره ليزداد العجب من إحكام السبب. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ولتصنع} بسكون اللام والعين على الأمر: يزيد الآخرون بكسر اللام ونصب العين {لنفسي اذهب} {في ذكري اذهبا} تفتح ياء المتكلم: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو {خلقه} فتح اللام على أنه فعل: نصير الباقون بالسكون. {مهدًا} وكذلك في الزخرف: عاصم وحمزة وعليّ وخلف وروح. الآخرون {مهادًا} {سوى} بكسر السين: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو وعليّ الآخرون بالضم {لا نخلفه} بالجزم جوابًا للأمر: يزيد {يوم الزينة} على الظرف: هبيرة: {وقد خاب} حيث كان بالإمالة: حمزة {فيسحتكم} من الإسحات: حمزة وعليّ وخلف ورويس وحفص. الباقون بفتح الياء والحاء {إن} مخففة: ابن كثير وحفص والمفضل. الباقون مشددة. {هذين} أبو عمرو و{هذان} بالتشديد: ابن كثير. الباقون بالتخفيف {فاجمعوا} بهمزة الوصل وفتح الميم أمرًا من الجمع: أبو عمرو. والآخرون على لفظ الأمر من الإجماع: {وقد أفلح} بنقل الحركة إلى الدال حيث كان: ورش وعباس وحمزة في الوقف {تخيل} بالتاء الفوقانية: ابن ذكوان وروح والمعدل عن زيد الباقون وابن مجاهد عن ابن ذكوان بالتحتانية: {تلقف} بالتشديد والرفع على الاستئناف: ابن ذكوان: {تلقف} بالتخفيف والجزم: حفص والفضل. وقرأ البزي وابن فليح مشددة التاء {كيد سحر} على المصدر: حمزة وعلي وخلف. الباقون {كيد ساحر} على الوصف. {قال آمنتم} بالمد: أبو عمرو وسهل ويعقوب وابن عامر وأبو جعفر ونافع وابن كثير عن ابن مجاهد وأبي عون عن قنبل {قال أمنتم} على الخبر بغير مد: حفص وابن مجاهد وأبو عون عن قنبل. الباقون {أآمنتم} بزيادة همزة الاستفهام {ومن يأته} مختلسة الهاء: يزيد وقالون ويعقوب غير زيد، وأبو عمرو عن طريق الهاشمي عن اليزيدي {ومن يأته} بسكون الهاء: خلا دور جاء والعجلي وشجاع واليزيدي غير أبي شعيب ويحيى وحماد. الباقون {يأته} بالإشباع.

.الوقوف:

{أخرى} o لا لأن {إذ} تفسير المرة {ما يوحى} o لا لأن ما بعده تفسير {ما يوحى} {وعدوّ له} ط {مني} ج لأن الواو وقد تكون مقحمة وتعلق اللام ب {ألقيت} وقد تكون عاطفة على محذوف أي لتحب ولتصنع، ومن جزم اللام وقف على {مني} لا محالة {على عيني} م لئلا يوهم أن {إذ} ظرف {لتصنع} {من يكفله} ط لانقطاع النظم وانتهاء الاستفهام على أن فاء التعقيب مع اتحاد القصة يجيز الوصل. {ولا تحزن} ط لابتداء منة أخرى {فتونًا} o ط {يا موسى} o {لنفسي} o لاتساق الكلام مع حق الفاء مضمرة {ذكري} o ج لمثل ما قلنا والمضمر واو {طغى} o للآية مع الفاء {يخشى} o {يطغى} o {وأرى} o {ولا تعذبهم} ط لأن قد لتوكيد الابتداء وقد انقطع النظم على أن اتحاد المقول يجيز الوصل {من ربك} ط لذلك فإن الواو للابتداء {في كتاب} ج لاحتمال ما بعده الصفة والاستئناف {ولا ينسى} o بناء على أن {الذي} صفة الرب والأحسن تقدير هو الذي أو أعني الذي {ماء} ط للالتفات {شتى} o {أنعامكم} ط {النهى} o {أخرى} o {وأبى} o {يا موسى} o {سوى} o {ضحى} o {أتى} o {بعذاب} ج لاختلاف الجملتين {افترى} o {النجوى} o {المثلى} o {صفًا} o {استعلى} o {ألقى} o {ألقوا} ج لأن التقدير فألقوا ما ألقوه فإذا حبالهم مع فاء التعقيب وإذا المفاجأة المنافيين للوقف {تسعى} o {موسى} o {الأعلى} o {ما صنعوا} ط {كيد ساحر} ط {أتى} o {وموسى} o {لكم} ط {السحر} ق للقسم المحذوف ولانقطاع النظم مع فاء التعقيب وإتمام مقصود الكلام {النخل} ج لابتداء معنى القسم ولفظ استفهام يعقبه مع اتفاق الجملة واتحاد الكلام.
{وأبقى} o {قاض} ط {الحياة الدنيا} ط {من السحر} ط {وأبقى} o {جهنم} ط {ولا يحيى} o {العلى} o لا لأن ما بعده بدل {فيها} ط {تزكى} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36)}.
اعلم أن السؤال هو الطلب فعل بمعنى مفعول كقولك خبز بمعنى مخبوز وأكل بمعنى مأكول، واعلم أن موسى عليه السلام لما سأل ربه تلك الأمور الثمانية، وكان من المعلوم أن قيامه بما كلف به تكليف لا يتكامل إلا بإجابته إليها، لا جرم أجابه الله تعالى إليها ليكون أقدر على الإبلاغ على الحد الذي كلف به فقال: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} وعد ذلك من النعم العظام عليه لما فيه من وجوه المصالح ثم قال: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أخرى} فنبه بذلك على أمور: أحدها: كأنه تعالى قال: إني راعيت مصلحتك قبل سؤالك فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال.